السبت، يناير 09، 2010

عقد النكاح بوسائل الاتصال المعاصرة ج / 2

ثانيا : عقد النكاح بوسائل الاتصال المعاصرة الأخرى غير المكاتبة :
ان التعاقد بطريق التليفون ، لا يجمع المتعاقدين في مجلس واحد ، فقد يكون أحدهما في جهة تبعد عن الجهة التي يوجد فيها الآخرون بمسافة طويلة، وقداختلفت آراء الباحثين في هذه الصورة الحديثة فهل يكون عقد النكاح فيها صحيحاً باعتبار أن العبرة في اتحاد المجلس في عقد النكاح هو الزمن وهو متحقق في هذه الوسائل الحديثة , أم لا , باعتبار أن النكاح له قدسيته ومكانته المحفوظة في الشرع فهو يختلف عن بقية العقود الأخرى ؟

القول الأول : إن إجراء العقد عبر الهاتف بالسماع أو بنقل الصورة والصوت في الهاتف أو عبر الإنترنت كتابة أو مشاهدة بالصوت والصورة : جائز اذا توافرت شروط النكاح ، وهذا قول كثير من العلماء المعاصرين , ومنهم : الشيخ مصطفى الزرقا , د. وهبة الزحيلي , إبراهيم فاضل الدبو , د. محمد عقلة , د. نايف الحمد , بدران أبو العنين ، د. يوسف الشبيلي .
واستدلوا على ذلك :
بأن مجلس العقد عبارة عن الفترة الزمنية التي تفصل بين الإيجاب والقبول ما دام المتعاقدان منشغلين بالعقد ، ولم يبد منهما ما يدل على الإعراض وهذا بدوره ينتظم التعاقد بالتليفون وما شابهه ، وعلى هذا يكون مجلس العقد بالهاتف هو زمن الاتصال ، فما دامت المحادثة في شأن العقد قائمة اعتبر المجلس قائمًا وإذا انتقلا إلى حديث آخر اعتبر المجلس منتهيًا .
واشترط لجواز العقد بهذه الوسائل أن تتوافر فيه الضوابط التالية :
(1) أن يكون الطرفان بعيد كل منهما عن الآخر , ويصعب اللقاء بينهما وإجراء العقد
(2) يشترط وجود ولي المرأة ( والدها ) أو وكيله لإجراء العقد , وأن يتلفظ الولي أو وكيله بالقبول فور قراءة الرسالة , فيشترط في القبول التلفظ , ولا تجزئ الكتابة وحدها , وتشترط الموالاة بين الإيجاب والقبول , أي في مجلس واحد مباشرة .
(3) أن يسمع القبول شاهدان مسلمان عدلان ذكران بالغان عاقلان بعد قراءة أو سماع الإيجاب .
(4) يفضل رؤية كل من العاقدين للآخر بواسطة الاجهزة المرئية .
(5) الاحتياط من الغش والتدليس في شخصية كل من العاقدين عن طريق إظهار وسائل إثبات الشخصية أمام الشهود .
(6) يشترط إجراء العقد عبر هذه الوسائل في أماكن تشرف عليها مؤسسات إسلامية أو حكومية موثوقة .
القول الثاني : عدم صحة استخدام الوسائل الحديثة في عقد النكاح . وهذا ما نص عليه قرار مجمع الفقه الإسلامي حيث ورد في قرار له بعنوان (حكم إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة):
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 17-23 شعبان1410هـ الموافق 14-20مارس 1990م، بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة، ونظراً إلى التطور الكبير الذي حصل في وسائل الاتصال وجريان العمل بها في إبرام العقود لسرعة إنجاز المعاملات المالية والتصرفات وباستحضار ما تعرض له الفقهاء بشأن إبرام العقود بالخطاب وبالكتابة وبالإشارة وبالرسول، وما تقرر من أن التعاقد بين الحاضرين يشترط له اتحاد المجلس -عدا الوصية والإيصاء والوكالة- وتطابق الإيجاب والقبول، وعدم صدور ما يدل على إعراض أحد العاقدين عن التعاقد، والموالاة بين الإيجاب والقبول بحسب العرف، قرر ما يلي:
أولاً: إذا تم التعاقد بين غائبين لا يجمعهما مكان واحد ولا يرى أحدهما الآخر معاينة، ولا يسمع كلامه وكانت وسيلة الاتصال بينهما الكتابة أو الرسالة أو السفارة (الرسول)، وينطبق ذلك على البرق والتلكس والفاكس وشاشات الحاسب الآلي (الحاسوب) ففي هذه الحالة ينعقد العقد عند وصول الإيجاب إلى الموجه إليه وقبوله.
ثانياً: إذا تم التعاقد بين طرفين في وقت واحد وهما في مكانين متباعدين، وينطبق هذا على الهاتف واللاسلكي، فإن التعاقد بينهما يعتبر تعاقداً بين حاضرين، وتطبق على هذه الحالة الأحكام الأصلية المقررة لدى الفقهاء المشار إليها في الديباجة.
ثالثاً: إذا أصدر العارض بهذه الوسائل، إيجاباً محدد المدة يكون ملزماً بالبقاء على إيجابه خلال تلك المدة وليس له الرجوع عنه.
رابعاً: إن القواعد السابقة لا تشمل النكاح لاشتراط الإشهاد فيه، ولا الصرف لاشتراط التقابض، ولا السلم لاشتراط تعجيل رأس المال. انتهى . مجلة المجمع الفقهي , العدد السادس , ج2 , ص
• وكذا جاء في ندة مجمع الفقه بالهند في دورته الثالثة عشرما نصه: إن عقد النكاح يحمل خطورة أكثر من عقد البيع، وفيه جانب تعبدي، ويشترط فيه الشاهدان، لذلك لا يعتبر مباشرة الإيجاب والقبول للنكاح على الإنترنت ومؤتمر الفيديو والهاتف، أما إذا استخدمت هذه الوسائل لتوكيل شخص للنكاح، ويقوم الوكيل من جانب موكله بالإيجاب والقبول أمام الشاهدين فيصح النكاح، ويلزم في هذه الصورة أن يكون الشاهدان يعرفان الموكل أو يذكر الموكل باسمه واسم أبيه عند الإيجاب والقبول.
• هذا وقد انتقد المفتي العام للمملكة فتوى جواز عقد النكاح بوسائل الاتصال الحديثة ، وقال فيما نقلته عنه جريدة الحياة (7 فبراير 2009) ( إن هذه عقود شرعية خطيرة ومواثيق لا بدّ من حضور الزوجين وولي الزوجة والشاهدين ، أما أن نتوسع عن طريق وسائل الاتصال الحديثة ... يكون فيه خطأ وارتباك وتغيير ) !
الترجيح :
الراجح ـ والله اعلم ـ هو مذهب القائلين بعدم الجواز , لانه قد يترتب على القول بجواز استخدام هذه الوسائل في عقود الأنكحة من فتح باب الفساد الأخلاقي ,لاسيما وانه يمكن الاستغناء عنها بالتوكيل الشرعي الذي أباحه الشارع الحكيم . فيوكل الغائب عن مجلس العقد من ينوبه لإجراء عقد النكاح بوجهه الشرعي الصحيح فلا حاجة للمجازفة ونحن لسنا بحاجة اليها والزواج بالتوكيل امر متفق على جوازه اما الزواج بهذه الطريقة مختلف فية وتقديم المتفق عليه خير من العمل بما اختلف عليه .
والله أعلم .

ليست هناك تعليقات: