السبت، يناير 16، 2010

9 ـ الكشف الطبي ما قبل الزواج

9 ـ الكشف الطبي ما قبل الزواج

ما هو موقف الشرع من الفحوصات الطبية قبل الزواج؟ وهل يجوز اجبار الناس عليه بحيث لا يترك الأمر لمجرد الرغبات أو مرهونا باختلاف الوعي ؟
ما هوالفحص الطبي؟ :
هو الكشف بالوسائل المتاحة (من أشعة وتحليل وكشف جيني ونحوه) لمعرفة ما بأحد الخاطبين من أمراض معدية أو مؤثرة في مقاصد الزواج .
ومن الأمراض التي أصبح بالإمكان الكشف عن حاملها، وبالتالي تفادي إصابة الأطفال بها أمراض الدم الوراثية، كالأنيميا المنجلية أو أنيميا البحر المتوسط .
وكدا أمراض الجهاز العصبي كمرض ضمور العضلات الجذعي وأمراض ضمور العضلات باختلاف أنواعها وضمور المخ والمخيخ.
ايضا أمراض الغدد الصماء خاصة أمراض الغدة الكظرية و الغدة الدرقية. و معظم هذه الأمراض تنتقل بالوراثة المتنحية والتي يلعب زواج الأقارب فيها دورا كبيرا في زيادة أعدادها.


والفحص الطبي قبل الزواج من الأمور المستحدثة في الفقه الإسلامي ، ولم يتعرض له فقهاؤنا القدامى ، لدا لابد من التمهيد بدكر الايجابيات والسلبيات لاهميتها في الحكم على المسألة .

أولا : ايجابيات الفحص الطبي :
1 - أن المقدمين على الزواج يكونون على علم بالأمراض الوراثية المحتملة للذرية إن وجدت فتتسع الخيارات في عدم الإنجاب أو عدم إتمام الزواج.
2 - تقديم النصح للمقبلين على الزواج إذا ما تبين وجود ما يستدعي ذلك بعد استقصاء التاريخ المرضي والفحص السريري واختلاف زمر الدم.
3 - قد يكون سببا لاكتشاف مرض يمكن علاجه مثل مرض (التلاسيميا) وهو المرض الذي ينتشر بشكل واسع وواضح في حوض البحر المتوسط فقد توجد وسائل للوقاية من حدوثه قبل الزواج فادا اكتشف مبكرا يمكن الوقاية منه .
4 – المحافظة على سلامة الزوجين من الأمراض، فقد يكون أحدهما مصاباً بمرض يعد معدياً فينقل العدوى إلى زوجه السليم.
5 – إن عقد الزواج عقد عظيم يبنى على أساس الدوام والاستمرار، فإذا تبين بعد الزواج أن أحد الزوجين مصاب بمرض فإن هذا قد يكون سبباً في إنهاء الحياة الزوجية لعدم قبول الطرف الآخر به.
6 – بالفحص الطبي يتم الحد من انتشار الأمراض المعدية والتقليل من ولادة أطفال مشوهين أو معاقين والذين يسببون متاعب لأسرهم ومجتمعاتهم .


ثانيا : سلبيات الفحص الطبي :
1– إيهام الناس أن إجراء الفحص سيقيهم من الأمراض الوراثية، وهذا غير صحيح؛ لأن الفحص لا يبحث في الغالب سوى عن مرضين أو ثلاثة منتشرة في مجتمع معين.
2 – إيهام الناس أن زواج الأقارب هو السبب المباشر لهذه الأمراض المنتشرة في مجتمعاتنا، وهو غير صحيح إطلاقاً.
3 – قد يحدث تسريب لنتائج الفحص ويتضرر أصحابها، لا سيما المرأة فقد يعزف عنها الخطاب إذا علموا أن زواجها لم يتم بغض النظر عن نوع المرض وينشأ عن ذلك المشاكل.
4 – يجعل هذا الفحص حياة بعض الناس قلقة مكتئبة ويائسة إذا ما تم إعلام الشخص بأنه سيصاب هو أو ذريته بمرض عضال لا شفاء له من الناحية الطبية.
5 – التكلفة المادية التي يتعذر على البعض الالتزام بها وفي حال إلزام الحكومات بجعل الفحوص شرطاً للزواج ستزداد المشاكل حدة، وإخراج شهادات صحية من المستشفيات الحكومية وغيرها أمر غاية في السهولة، فيصبح مجرد روتين يعطى مقابل مبلغ من المال .



وقد استعرض مجلس مجمع الفقه هدا الموضوع و قرر ما يلي:

أولاً: إن للفحص الطبي قبل الزواج فوائد من حيث التعرف على الأمراض المعدية أو المؤثرة وبالتالي الامتناع عن الزواج ولكن له - وبالأخص للفحص الجيني - سلبيات ومحاذير من حيث كشف المستور، وما يترتب على ذلك من أضرار بنفسية الآخر المصاب ومستقبله.

ثانيا: لا مانع شرعا من الفحص الطبي بما فيه الفحص الجيني للاستفادة منه للعلاج مع مراعاة الستر.

ثالثا: لا مانع من اشتراط أحد الخاطبين على الآخر إجراء الفحص الجيني قبل الزواج.

رابعا: لا مانع من اتفاقهما على إجراء الفحص الطبي (غير الجيني) قبل الزواج على أن يلتزما بآداب الإسلام في الستر وعدم الإضرار بالآخر.

خامسا: لا يجوز لأحدهما أن يكتم عن الآخر عند الزواج ما به من أمراض معدية أو مؤثرة إن وجدت، وفي حالة كتمانه ذلك وتحقق إصابة أحدهما أو موته بسبب ذلك فإن الطرف المتسبب يتحمل كل ما يترتب عليه من عقوبات وتعويضات حسب أحكام الشرع وضوابطه.

سادسا: يحق لكليهما المطالبة بالفسخ بعد عقد النكاح إذا ثبت أن الطرف الآخر مصاب بالأمراض المعدية أو المؤثرة في مقاصد الزواج.


ولكن هل يجوز للدولة أن تلزم كل من يتقدم للزواج بإجراء الفحص الطبي وتجعله شرطاً لإتمام الزواج؟ أم هو اختياري فقط؟

اختلف العلماء والباحثون المعاصرون في هذه المسألة، ويمكن تلخيص آرائهم على النحو التالي:

القول الأول:
يجوز لولي الأمر إصدار قانون يلزم فيه كل المتقدمين للزواج بإجراء الفحص الطبي بحيث لا يتم الزواج إلا بعد إعطاء شهادة طبية تثبت أنه لائق طبياً.

القول الثاني:
لا يجوز إجبار أي شخص لإجراء الاختبار الوراثي، ويجوز تشجيع الناس ونشر الوعي بالوسائل المختلفة بأهمية الاختبار الوراثي.
الأدلة:
أولا : استدل القائلون بالجوازبما يلي :
1 ـ بقوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) سورة النساء (59)
وجه الدلالة:أن المباح إذا أمر به ولي الأمر المسلم للمصلحة العامة يصبح واجباً ويلتزم المسلم بتطبيقه.
2 ـ قال تعالى: ( وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) سورة البقرة (195)
وجه الدلالة: أن بعض الأمراض المعدية تنتقل بالزواج فإذا كان الفحص يكون سبباً في الوقاية تعين ذلك.
3 ـ قوله تعالى: ( هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء ) سورة آل عمران (38)
وجه الدلالة:أن المحافظة على النسل من الكليات الست التي اهتمت بها الشريعة، فلا مانع من حرص الإنسان على أن يكون نسله المستقبلي صالحاً غير معيب، ولا تكون الذرية صالحة وقرة للعين إذا كانت مشوهة وناقصة الأعضاء متخلفة العقل، وكل هذه الأمراض تهدف لتجنبها عملية الفحص الطبي.

4 ـ حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا توردوا الممرض على المصح ".
وجه الدلالة: أن النص فيه أمر باجتناب المصابين بالأمراض المعدية والوراثية.
5 ـ حديث "فر من المجذوم فرارك من الأسد"
وهذا لا يعلم إلا من الفحص الطبي .
6 ـ إن الفحص الطبي لا يعتبر افتئاتاً على الحرية الشخصية؛ لأن فيه مصلحة تعود على الفرد أولاً وعلى المجتمع والأمة ثانياً، وإن نتج عن هذا التنظيم ضرر خاص لفرد أو أفراد فإن القواعد الفقهية تقرر أن "يرتكب أهون الشرين" وأنه "يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام".
7 ـ قاعدة "الدفع أولى من الرفع" حيث إنه إذا أمكن دفع الضرر قبل وقوعه فهذا أولى وأسهل من رفعه بعد الوقوع .
8 ـ "الوسائل لها حكم الغايات". فإذا كانت الغاية هي سلامة الإنسان العقلية والجسدية؛ فإن الوسيلة المحققة لذلك مشروعة، وطالما أن الفحص الطبي قبل الزواج يحقق مصالح مشروعة للفرد الجديد وللأسرة والمجتمع ويدرأ مفاسد اجتماعية ومالية على المستوى الاجتماعي والاقتصادي وهذه من الأسباب المأمور بها شرعاً .
ثانيا : ادلة اصحاب القول الثاني المانعون لإجبار الشخص للفحص الوراثي :
1) أن أركان النكاح وشروطه التي جاءت بها الأدلة الشرعية محددة، وإيجاب أمر على الناس وجعله شرطاً للنكاح تَزيّد على شرع الله، وهو شرط باطل، وقد صح قوله عليه الصلاة والسلام: "كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل...".
2) أن النكاح لا يلزم منه الذرية، فقد يتزوج الرجل لأجل المتعة فقط فلا وجه لإلزامه بالفحص الوراثي كما هو الحال في كبار السن.
3) أن الفحص غالباً سيكون على مرضين أو ثلاثة أو حتى عشرة، والأمراض الوراثية المعلومة اليوم أكثر من 8000 مرض، وكل عام يكتشف أمر جديد، فإذا ألزمنا الناس بالفحص عنها جميعاً فقد يتعذر الزواج ويصعب وينتشر الفساد.
4) قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتاكم مـن ترضون دينه وخلقه فزوجوه".وجه الدلالة: لم يقل صلى الله عليه وسلم: "وصحته". والأصل أن الإنسان سليم، وقد اكتفى بالأصول: الدين والخلق .
5) إن تصرفات ولي الأمر في جعل الأمور المباحة واجباً إنما تجب الطاعة إذا تعينت فيه المصلحة أو غلبت للقاعدة الفقهية "تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة" .
6) ولقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الطاعة في المعروف" وإلزام الناس بالكشف قبل الزواج فيه مفاسد عظيمة تزيد على المصالح المرجوة – وقد تقدم بيانها -.
7) ما جاء في الحديث القدسي: " أنا عند ظن عبدي بي" . وجه الدلالة: أن المتقدم للزواج ينبغي أن يحسن الظن بالله ويتوكل على الله ويتزوج، والكشف يعطي نتائج قد تكون غير صحيحة أحياناً .

الترجيـح:
* لولي المرأة أن يشترط من المتقدم للخطبة إجراء الفحص إذا كانت هناك قرائن تدل على احتمال الإصابة بالمرض سواء للمخطوبة أو للذرية مستقبلا، وللخاطب ان يقبل ا وان يتراجع

ا* ما بالنسبة لالزام الدولة : فالقول بجواز الزام الدوله للخاطبين باجراء مثل هذه الفحوص، بغير إلزام بنتائجها من قبل الدولة أو المجتمع، وهو حق لكلا الخاطبين يمكنه العمل به فيعدل عن خطبته به أو الاستمرار في اكمال اجراءات الزواج ، والله أعلم.

ملاحظة :
وينبغي ان تبقى نتائج الفحص بشكل سري ويشرح الطبيب المختص الاحتمالات التي يمكن أن تحدث لذريتهما لو تزوجا.
و الطبيب والدولة لا يتدخلان في القرار النهائي فالرجل والمرأة لهما الحرية المطلقة في اتخاذ القرار المناسب لهما.و ما عليهما إلا أن يستخيرا في قرار الزواج .
و لو حدث و تزوجا مع علمهما انه من المكن أن يرزقا بأطفال مصابين بمرض وراثي فان معرفتهما بهذا الاحتمال بإذن الله سوف يقوي من ترابطهما، هذا لو قارناه بمن لم يعلم وفجأة يجد نفسه أمام معلومات وراثية خطيرة لم يعلمها من قبل ، قد تعصف بأسرته وتشرد أطفاله المصابين بالمرض. هذا إذا قلنا أنهما سوف يتزوجان .
أما لو قررا أن لا يتزوجا فبإمكانهما البحث عن زوج أخر وعسى أن تكرهوا شيء وهو خير لكم.

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

السلام عليكم ورحمة الله بركاته

جزاكي الله خيراً ياستاذتي وجعلها الله في ميزان حسناااتك
اتمنى في انزل جميع المحاضرات بأقرب وقت قبل بدا الاختبارات
لان في معظم البنات من بنات سكن ولايوجد لدينا الانترنت
طالبة سكن

د.عائشة بنت خضربن فريخ الزهراني يقول...

وعليكم السلام ،
المنهج اكتمل من الاربعاء ولله الحمد